قصة قصيرة
***********
تمتع اخي القارئ برومنسيات الادب العربي ..
...... الكاتب : احمد مسلمي .......
........................ $$** شبح وسط المروج **$$ .........................
خرج الفتى"علي" كعادته، مبكرا عند الصباح أمامه قطيع الغنم، قاصدا بساط الربيع، حيث العشب الأخضر النضير، والزهور المبللة بندى الصباح الضاحك...
لا ينسى أبدا اصطحاب الناي كل يوم، فهو الرفيق الوحيد لديه عند المرعى.
وصل"علي"المروج،وانتشر قطيعه في كل ناحية من العشب انتشار سرية من الجنود في ساحة التدريب، تلتهم الكلأ ملء شدقيها وتقطف شتى أنواع الزهور التي تحسدها العيون على قطفها، كي تشبع هي الأخرى بنضارة جمالها، وحسنها ألمتلاق الخلاب..
وكما عود الطبيعة ذلك الفتى الراعي في كل يوم وفي نفس المكان الساحر، بتقاسيمه على الناي الحزين، بدأت أغصان الشجر المتعانقة والزهور المتناثرة على أرضية المرعى الفتان، في اهتزازات جنونية وتحرك عنيف، وتمايل شجي، طربا لسماعها الصوت الباكي، الذي وكأنه يتصبب مع قطرات الندى على فروعها يغذيها حِسّيّا و جسمانيا.
ترنم طويلا بدون انقطاع، وكل كائن في سكينته المتناهية ينعم بالدفء والحنان، وروعة النفحات الخارجة من الأعماق. وفجأة انقطع الصوت العذب، صوت الناي المعسول، وثارت أصوات أخرى غاضبة حانقة.. تصرخ وتندد بالسر الذي اختنق من اجله وقع اللحن الحزين، بل هي أصوات الطيور التي كانت متراصة على فروع الأشجار و كأنها في مظاهرة احتجاج ، تريد السماع إلى إسرار نفس ذلك الراعي عن طريق الحان الناي المسكوبة في أرواحها, بات جليا سرُّ صمت الناي عن اللحن، في اندهاش الراعي حين رأى شبحا متجها نحوه ،متبخترا مترنحا في مشيته، كالطيف المتكبر،ولا يكاد يصدق الفتى عيناه ، اهو ملاك؟ أم هو من العفاريت المتقمصة الجمال والعفة، والبهاء الكامل.. أغلق عينيه ثم فتحهما، ولا يزال الشبح مبهما أمامه، مبهما حقا من انبهار طلعته، ككوكب الشمس لا يقدر حاد البصر أن يُحَمْلقَ فيه، وخيل إليه وكأنه يرى إشارات غامضة تصدر عن الشبح ويأمره،أن يواصل تقاسيمه المعسولة.
سرعان ما أخذ الفتى الراعي في النفخ وسكب اللحن من جديد. وكأنه تحت سيطرة عنيفة وخوف مستمر, أن يغضب عليه ذلك الكائن المبهم بالنسبة له، أو يمسه بالأذى، في حين انقطعت صيحات الطيور المحتجّة تماما عند سماعها اللحن الذي كانت تطالب به منذ حين عند انقطاعه.
بدأت اهتزازات ورقصات ذلك الشبح،في تزايد مستمر،لاينقطع هو الآخرعن الخفة والرشاقة والتمايل،إلى إن انتفخت رأتي الفتى ولم يقدر عن مواصلة العزف. فبانت الوجوه، وتبخّر الشبح معي تبخر قطرات الندى تحت أشعة الشمس، وحلت محله صبية الربيع، ذات الوجه الوردي، والعيون السماوية البراقة، والجبين الناصع كقطعة النقد الفضية حين رُفع القناع عن وجهها، اندهش"علي" لهذا المشهد، ورجعت له روحه المسلوبة، وسرت في عروقه الدماء التي كادت إن تتجمد، بعد إن تيقن أنها "سلمى" ابنة عمه. استغرقت هي في الضحك، بل في القهقهة العريضة حين رأته على تلك الحال في رعب،وهلع، فبادرها بابتسامة وكلام لطيف مصطنع، وهو يخفي ما حل بيه من هلع..
- ما كنت أتوقع أنك"سلمى"
فأجابته على استحياء
- ماذا ... ماذا... ؟ يا علي
فقال..
- والله ما عرفتكِ في بادئ الأمر وتخيّلتكِ شيئا أخر،غريبا
عن ناظري..
فأعادت له نفس الضحكة العميقة، واخذ يبتسم هو في حياء وخجل، حتى انتهت من ضحكتها..
وقالت..
- هل رأيتني عفريتا ابيض.؟
فأجابها بخجل ..
- بحقيقة ربي.. هو ماذكرتِ
فقالت..
- براعتك في الناي، تُرقِصُ وتَهُزّ.. ليس العفاريت فقط، بل كل شيء حولك.
بعد أن مزحت معه قليلا
قالت له .. وكأنها تلقي عليه سؤالا صعبا،أو أنها تريد إن تقرأ صحيفة قلبه.
- هيا بنا يا علي نحو البئر، كي تساعدني على حمل الجرة هناك . .
فأجابها مازحا :
- ولكني لم أقدر أن أساعدكِ، والرعب مازال يكبل يديّ من شبحك المخيف. .
فجذبت ذراعه بكل رقة وحنان..
وقالت ..
- هيا.. هيا بنا، لقد زال الرعب مع زوال القناع عن وجهي...
ذهبا سويا وعيونهما تكاد تنطق بسر النظرات الحادة، ولا تفارق ثغريهما، ابتسامة الحب الحالم، وتحولت قطرات الندى على راحتيهما من شدة الضغط لبعضها.
وصلا البئر بعد مسير قليل، وكأنه كان مختبئا بين اللأشجار الكثيفة والحشائش المزهرة.. والجرة تترقب مجيئهما بفارغ الصبر، وكأنها سئمت هي الأخرى حمل المياه الباردة العذبة في باطنها.
عند وصولهما جانب البئر، أراد "علي" أن يروي غلته من ماء تلك الجرة لكن وضعت "سلمى" يديها على فوهتها، ثم قالت له .. مبتسمة، ابتسامة حلول الربيع في المروج..
- تريد الشراب يا عزيزي.؟ سأ سقيك بنفسي ، وحملت الجرة بين يديها ، وشرب"علي" حتى ارتوى، وبعد ذلك بادرته بسؤال ومحياها تعلوه أسرار خافية ، وعيناها لا تفارق مقلتيه أبدا ، وثغرها لا يخلو من الابتسامة الحلوة الرقيقة . قائلة له
- ألا تسأم في وحدتك طوال اليوم .؟ وأنت هنا في هذه المروج المقفرة .
فأجابها، عن سؤالها الغريب، على صفحات الأهداب المكحلة، مبرزا بيده الناي، مجيبا:
- هاهو أنيسي في وحدتي، وطربي في سأمي ، وحبيبي إن غاب عني الحبيب وعزائي في حزني.
فعاودت له سؤالا أمر من الأول..
- وهل لك حبيب غائب عنك.؟
ولكن هاته المرة وجد الجواب في صحيفة قلبها الذي يريد اكتشاف إسرار النفس ، قائلا لها..
-إن هذا الناي لا ينطق ولا يبعث صوته الشجي، إلا إذا كان حبيب القلب غائبا، فعندها يتذكره ويسكب قطراته الحامية الأليمة على زهر المرج الأخضر فيدمجها مع قطرات الندى الباردة، كي تتبخرفي فضاء التخيلات الحلوة، ولكن... ثم أنقطع عن الكلام.
فقالت له في تلهف .. وكأنها عطشى في حرارة قيض الصيف المحرق كي تروي غلتها..
ولكن ... ماذا يا "علي" واصل معها الحديث قائلا..
- لكن الناي ألان صامتا لا يبعث لحنا.
وفي ذلك الحين غطت شفتيه بكلتا يديها، وكأنها أطلت على بساط روحه ، وما تحتويه من أسرار خافية ، أوانها نظرت من الشباك المطل على غرة قلبه المتدفقة بسيل الحب المجنح نحوها ، وعرفت إن "علي" ابن عمها يخصها بالمحبة لوحدها دون سواها ، ولايشكّ لحظة بأنها محبة إليه بكل جوارحها ، وإحساساتها.. ففتحت له صدرها الرحب، ووهبته قلبها المجنح الذي يكاد يثقب صدرها ليتناجى مع الروح المختفية بين أضلعه...
ثم ضمته إليها ضما عنيفا ، وقبلت وجنتيه المبللة بندى الضحى الباسم الذي لم تبخره شمس أخرى في الوجود، وشردا في حلم الحب الجنح بين ذراعي المرج اللاخضر، يتناجيان ، ويهمسان في عشق لا ينقطع..
من وحي القلم
الكاتب و الشاعر : احمد مسلمي
***********
تمتع اخي القارئ برومنسيات الادب العربي ..
...... الكاتب : احمد مسلمي .......
........................ $$** شبح وسط المروج **$$ .........................
خرج الفتى"علي" كعادته، مبكرا عند الصباح أمامه قطيع الغنم، قاصدا بساط الربيع، حيث العشب الأخضر النضير، والزهور المبللة بندى الصباح الضاحك...
لا ينسى أبدا اصطحاب الناي كل يوم، فهو الرفيق الوحيد لديه عند المرعى.
وصل"علي"المروج،وانتشر قطيعه في كل ناحية من العشب انتشار سرية من الجنود في ساحة التدريب، تلتهم الكلأ ملء شدقيها وتقطف شتى أنواع الزهور التي تحسدها العيون على قطفها، كي تشبع هي الأخرى بنضارة جمالها، وحسنها ألمتلاق الخلاب..
وكما عود الطبيعة ذلك الفتى الراعي في كل يوم وفي نفس المكان الساحر، بتقاسيمه على الناي الحزين، بدأت أغصان الشجر المتعانقة والزهور المتناثرة على أرضية المرعى الفتان، في اهتزازات جنونية وتحرك عنيف، وتمايل شجي، طربا لسماعها الصوت الباكي، الذي وكأنه يتصبب مع قطرات الندى على فروعها يغذيها حِسّيّا و جسمانيا.
ترنم طويلا بدون انقطاع، وكل كائن في سكينته المتناهية ينعم بالدفء والحنان، وروعة النفحات الخارجة من الأعماق. وفجأة انقطع الصوت العذب، صوت الناي المعسول، وثارت أصوات أخرى غاضبة حانقة.. تصرخ وتندد بالسر الذي اختنق من اجله وقع اللحن الحزين، بل هي أصوات الطيور التي كانت متراصة على فروع الأشجار و كأنها في مظاهرة احتجاج ، تريد السماع إلى إسرار نفس ذلك الراعي عن طريق الحان الناي المسكوبة في أرواحها, بات جليا سرُّ صمت الناي عن اللحن، في اندهاش الراعي حين رأى شبحا متجها نحوه ،متبخترا مترنحا في مشيته، كالطيف المتكبر،ولا يكاد يصدق الفتى عيناه ، اهو ملاك؟ أم هو من العفاريت المتقمصة الجمال والعفة، والبهاء الكامل.. أغلق عينيه ثم فتحهما، ولا يزال الشبح مبهما أمامه، مبهما حقا من انبهار طلعته، ككوكب الشمس لا يقدر حاد البصر أن يُحَمْلقَ فيه، وخيل إليه وكأنه يرى إشارات غامضة تصدر عن الشبح ويأمره،أن يواصل تقاسيمه المعسولة.
سرعان ما أخذ الفتى الراعي في النفخ وسكب اللحن من جديد. وكأنه تحت سيطرة عنيفة وخوف مستمر, أن يغضب عليه ذلك الكائن المبهم بالنسبة له، أو يمسه بالأذى، في حين انقطعت صيحات الطيور المحتجّة تماما عند سماعها اللحن الذي كانت تطالب به منذ حين عند انقطاعه.
بدأت اهتزازات ورقصات ذلك الشبح،في تزايد مستمر،لاينقطع هو الآخرعن الخفة والرشاقة والتمايل،إلى إن انتفخت رأتي الفتى ولم يقدر عن مواصلة العزف. فبانت الوجوه، وتبخّر الشبح معي تبخر قطرات الندى تحت أشعة الشمس، وحلت محله صبية الربيع، ذات الوجه الوردي، والعيون السماوية البراقة، والجبين الناصع كقطعة النقد الفضية حين رُفع القناع عن وجهها، اندهش"علي" لهذا المشهد، ورجعت له روحه المسلوبة، وسرت في عروقه الدماء التي كادت إن تتجمد، بعد إن تيقن أنها "سلمى" ابنة عمه. استغرقت هي في الضحك، بل في القهقهة العريضة حين رأته على تلك الحال في رعب،وهلع، فبادرها بابتسامة وكلام لطيف مصطنع، وهو يخفي ما حل بيه من هلع..
- ما كنت أتوقع أنك"سلمى"
فأجابته على استحياء
- ماذا ... ماذا... ؟ يا علي
فقال..
- والله ما عرفتكِ في بادئ الأمر وتخيّلتكِ شيئا أخر،غريبا
عن ناظري..
فأعادت له نفس الضحكة العميقة، واخذ يبتسم هو في حياء وخجل، حتى انتهت من ضحكتها..
وقالت..
- هل رأيتني عفريتا ابيض.؟
فأجابها بخجل ..
- بحقيقة ربي.. هو ماذكرتِ
فقالت..
- براعتك في الناي، تُرقِصُ وتَهُزّ.. ليس العفاريت فقط، بل كل شيء حولك.
بعد أن مزحت معه قليلا
قالت له .. وكأنها تلقي عليه سؤالا صعبا،أو أنها تريد إن تقرأ صحيفة قلبه.
- هيا بنا يا علي نحو البئر، كي تساعدني على حمل الجرة هناك . .
فأجابها مازحا :
- ولكني لم أقدر أن أساعدكِ، والرعب مازال يكبل يديّ من شبحك المخيف. .
فجذبت ذراعه بكل رقة وحنان..
وقالت ..
- هيا.. هيا بنا، لقد زال الرعب مع زوال القناع عن وجهي...
ذهبا سويا وعيونهما تكاد تنطق بسر النظرات الحادة، ولا تفارق ثغريهما، ابتسامة الحب الحالم، وتحولت قطرات الندى على راحتيهما من شدة الضغط لبعضها.
وصلا البئر بعد مسير قليل، وكأنه كان مختبئا بين اللأشجار الكثيفة والحشائش المزهرة.. والجرة تترقب مجيئهما بفارغ الصبر، وكأنها سئمت هي الأخرى حمل المياه الباردة العذبة في باطنها.
عند وصولهما جانب البئر، أراد "علي" أن يروي غلته من ماء تلك الجرة لكن وضعت "سلمى" يديها على فوهتها، ثم قالت له .. مبتسمة، ابتسامة حلول الربيع في المروج..
- تريد الشراب يا عزيزي.؟ سأ سقيك بنفسي ، وحملت الجرة بين يديها ، وشرب"علي" حتى ارتوى، وبعد ذلك بادرته بسؤال ومحياها تعلوه أسرار خافية ، وعيناها لا تفارق مقلتيه أبدا ، وثغرها لا يخلو من الابتسامة الحلوة الرقيقة . قائلة له
- ألا تسأم في وحدتك طوال اليوم .؟ وأنت هنا في هذه المروج المقفرة .
فأجابها، عن سؤالها الغريب، على صفحات الأهداب المكحلة، مبرزا بيده الناي، مجيبا:
- هاهو أنيسي في وحدتي، وطربي في سأمي ، وحبيبي إن غاب عني الحبيب وعزائي في حزني.
فعاودت له سؤالا أمر من الأول..
- وهل لك حبيب غائب عنك.؟
ولكن هاته المرة وجد الجواب في صحيفة قلبها الذي يريد اكتشاف إسرار النفس ، قائلا لها..
-إن هذا الناي لا ينطق ولا يبعث صوته الشجي، إلا إذا كان حبيب القلب غائبا، فعندها يتذكره ويسكب قطراته الحامية الأليمة على زهر المرج الأخضر فيدمجها مع قطرات الندى الباردة، كي تتبخرفي فضاء التخيلات الحلوة، ولكن... ثم أنقطع عن الكلام.
فقالت له في تلهف .. وكأنها عطشى في حرارة قيض الصيف المحرق كي تروي غلتها..
ولكن ... ماذا يا "علي" واصل معها الحديث قائلا..
- لكن الناي ألان صامتا لا يبعث لحنا.
وفي ذلك الحين غطت شفتيه بكلتا يديها، وكأنها أطلت على بساط روحه ، وما تحتويه من أسرار خافية ، أوانها نظرت من الشباك المطل على غرة قلبه المتدفقة بسيل الحب المجنح نحوها ، وعرفت إن "علي" ابن عمها يخصها بالمحبة لوحدها دون سواها ، ولايشكّ لحظة بأنها محبة إليه بكل جوارحها ، وإحساساتها.. ففتحت له صدرها الرحب، ووهبته قلبها المجنح الذي يكاد يثقب صدرها ليتناجى مع الروح المختفية بين أضلعه...
ثم ضمته إليها ضما عنيفا ، وقبلت وجنتيه المبللة بندى الضحى الباسم الذي لم تبخره شمس أخرى في الوجود، وشردا في حلم الحب الجنح بين ذراعي المرج اللاخضر، يتناجيان ، ويهمسان في عشق لا ينقطع..
من وحي القلم
الكاتب و الشاعر : احمد مسلمي

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق